عند تصفحي لبعض المواقع العربية شد انتباهي موضوع يكاد يتكرر في كل موقع، موضوع يطالب المتصفحين المسلمين بالتدخل العاجل لانتقاده أو الرد عليه وان اقتدى الحال المطالبة بحذفه. وفي أغلب الأحيان يمس هذا الموضوع مشاعرنا كمسلمين لأنه يسيء إلى الإسلام والقران الكريم ونبينا المصطفى الأمين. لكن بتحذيرنا من هذه المواضيع عبر استنهاض الهمم للرد عليه يعطيه ذلك الانتشار والشهرة من خلالنا ولهذا رأيت في الموضوع أسفله المنقول من موقع "الجزيرة توك" طريقة مثلى لتجنب الانغماس في الأخطاء التي يرتكبها الكثير منا. يُروى أن أبا جهل كان يسير في مكة يحذر الناس من الاستماع إلى النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - فكان الناس يتساءلون عن محمد، ويذهبون إليه ليعرفوا لماذا الحذر من حديثه، حتى إذا كانوا بين يديه أسلموا، فكان الإسلام ينتشر على أيدي أعدائه.
ومن القصص الطريفة أن هناك مفكراً إسلامياً كتب يوماً كتاباً قيماً، فلم يحقق الكتاب نجاحاً، فكتب الكاتب تحت اسم مستعار مقالاً في جريدة يهاجم فيها كتابه ويتهمه أنه يعتدي على الإسلام ويسيء إليه. فما هي إلا أيام قليلة وأحتل كتابه مكاناً متقدماً في قائمة أعلى الكتب مبيعاً. ولما اشترى الناس الكتاب اكتشفوا قيمته العالية.
اليوم يحدث نفس الأمر، ولكن بطريقة عكسية. فهناك من يخرج فجأة علينا ليحذر من فيديو معين أو مجموعة معينة على الانترنت. ويطالبنا بحملة ضخمة لنشر الروابط الإلكترونية وإرسال الاعتراضات لتقوم إدارة الموقع، سواء كانت الفيسبوك أو اليوتيوب، بحذفه.
وهكذا بعد أن كان هذا الفيديو أو هذه المجموعة لا يعرف عن وجود أي منهما سوى عشرة، يصبح في خلال أسبوع واحد عدد زواره عشرات الآلاف. فلا يكون هناك فرق بين ما كان يفعله أبو جهل وما نفعله نحن إلا أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام كان يدعو إلى الحق.
اختلف الناس بين مؤيد ومعارض لهذه الطريقة في التعامل مع هذه المواد المسيئة للدين. ولكن دعونا نفرد أوراقنا على المائدة ونتحدث بهدوء. دعونا في البداية نضع أنفسنا مكان صاحب هذا الفيديو أو المجموعة المسيئة. ما هدفه؟ لو أخذنا على سبيل المثال صاحبة مجموعة "استخدام القرآن بدلاً من المناديل الورقية" والتي لأجلها قامت حملة مقاطعة الفيسبوك الأخيرة. ما هدف فتاة مثلها؟ هل مثلاً ترغب في إجراء حوار قيم عن جدوى القرآن لحياة الناس؟ بالقطع لا، لأنها لم تقم بإجراء أي حوار بل قامت بالسب المتصل. إذن هي إما مجنونة، أو أنها تريد الاستفزاز والتسلية. الإحتمال الثاني هو الأقرب بكل تأكيد. تريد فقط استفزاز المسلمين. وكلما زاد عدد المسلمين المستفزين كلما زادت ضحكتها قهقهة. إذن هي ترغب في الإنتشار. في أن يصل من يقرأ كلامها إلى آلاف مؤلفة. لا يهم بعد هذا أن يتم حذف المجموعة أم لا، فالمجموعة قامت لهدف محدد وهو الاستفزاز. وإن طالت مدة الاستفزاز مسخ طعمه. ولو قام الفيسبوك بحذف المجموعة فإنها قادرة على إنشاء غيرها بعد نصف ساعة من الحذف، وتعود ريما لعادتها القديمة.
أحد الأذكياء قام يوماً على أحد المواقع الالكترونية بتنبيه المسلمين لأمر هام. وهو أنه شاهد بعض الملحدين وهم يعدون أمراً شبيهاً بهذا ليسخروا من المسلمين. كان الموضوع يُعد في أحد المنتديات التابعة لهم. وكانت فكرتهم بكل بساطة هو تلفيق قصة تحكي أن هناك نباتاً اكتشفوه في ألمانيا يصدر ذبذبات وأن هذه الذبذبات بعد دراستها اكتشفوا أنها تسبيح بحمد الله. الطريف أنهم وضعوا هذه القصة في عدة منتديات إسلامية. وفي لمح البصر انتشرت القصة كالنار في الهشيم في كل المنتديات الإسلامية، وصدقها الآلاف. وسخر الملحدون من جهل المسلمين وضحكوا ملأ أشداقهم.
من الوسائل الناجحة الموصوفة لكل من يريد أن ينشر مجموعاته المسيئة للإسلام على الفيسبوك هي أن تنشأ مجموعتك، ثم تذهب لعدة مجموعات إسلامية نشيطة، وتغير اسمك ليصبح أحمد أو محمد، ثم تضع رابط المجموعة المسيئة للإسلام، وتقول: "أنقذوا الاسلام يا مسلمين". وفي غضون ساعة أو أقل ستجد أن هناك أكثر من سبعة آلاف عضو كلهم يتحدثون معك ويحاولون تصحيح صورة الإسلام في نظرك. وستجد كذلك مائة مجموعة جديدة قامت تدعو إلى إغلاق هذه المجموعة "الفاسقة الماجنة الداعرة". مع أن صاحب المجموعة المسيئة يعلم حقيقة الإسلام، ولكنه يرغب فقط في الإستفزاز.
وأحياناً يكون الأمر أكثر ذكاءاً. إذ لا تكون المجموعة المسيئة راغبة في الاستفزاز فقط، بل وفي نشر الشبهات القوية ضد الإسلام. فيكون الأمر كالآتي: في صدر المجموعة تجد إهانات مقززة ضد الإسلام، أو ضد شيء آخر كالحجاب مثلاً. وعندما تتحدث محاولاً تصحيح صورة الإسلام، تجد من يحاورك من أصحاب المجموعة بجدية، ثم يدعوك لحوار مطول. تشعر وقتها أنك من الممكن أن تهديه إلى الصراط المستقيم. مع أنك في الأساس لا تملك من العلم في الدين الكثير. ويطول الحوار ويبث المحاور شبهاته وسط الحديث. فإما أن ينتهي الأمر بأن تتعمق في الدين لترد على شبهاته، أو أن تستسلم لها فترتد عن دينك، وهناك حوادث كثيرة معروفة على الانترنت تمت بهذه الطريقة وكفر بسببها مسلمون بعد إيمانهم.
فما الحل إذن؟
تخيلوا معي المشهد التالي. شخص أراد أن يستفز المسلمين بإنشاء مجموعة مسيئة للإسلام. قام بإنشائها ثم وضع رابطها في عدة مجموعات إسلامية وقال: انقذوا الإسلام. تخيلوا لو تجاهل هذا الرابط كل المسلمين. لو لم يدخله أحد، ولو دخله أحد فإنه لا ينشره ولا يحذر منه. هل تعلمون النتيجة؟ ستمر أسابيع وشهور وعدد من شاهدوا هذه المجموعة لا يتجاوز أصابع اليدين. وعدد من شارك فيها بتعليق لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. ما هو شعور صاحب الجروب إذن؟ سيكون الاستفزاز والغيظ من نصيبه هو، و سيلحق به الفشل.
قبل كتابة هذا المقال شاركت في الحوار في العديد من المجموعات المسيئة للإسلام على الفيسبوك. وتحاورت معهم بكل الطرق، جربت أن أخلق حواراً هادئاً، وجربت أن أسخر منهم، وجربت أن أسبهم كما يفعلون سبة بسبة. كل هذا كان لاختبار ردود أفعالهم. فلم أجد وسيلة أنجح من التجاهل التام. التجاهل هو الأكثر إثارة للجنون لأنه يلغي الهدف الأساسي من إنشاء هذه المجموعة المسيئة.
يذكرني هذا الأمر بأنصاف الموهوبين من الأدباء. هؤلاء لا يتحدثون إلا في الجنس والدين. يتحدثون بقبح حتى يلفتوا الأنظار. وتقوم الدنيا ولا تقعد ويثور الجدل حول ما كتبوا. مع أن ما كتبوه لا يستحق – فنياً – أن نعيره أي اهتمام.
كل حملات المقاطعة والدعوة إلى إغلاق المجموعات وحذف الفيديوهات المسيئة – في رأيي المتواضع – لا معنى لها. لأنها كما قلت من قبل، لا تحقق إلا أهداف المسيئين للدين والذين لا يرغبون إلا في أن تشتهر وتنتشر إساءتهم. ثم إنه لا معنى لكل هذا الجهد الضائع. العمل الجاد والقيم لنفع المسلمين هو افضل ألف مرة. النبي أمره الله أن يعرض عن المشركين وقال له "إنا كفيناك المستهزئين". ونهى النبي الكريم عن الجدال الذي لا طائل من ورائه لما قال " أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً". فما بالكم بالجدال مع من يقول أن القرآن لابد أن يستعمل كمناديل ورقية. هل هذا الكلام يستحق أن ينظر إليه أصلاً أو أن يعيره أحد أي اهتمام. فما بالكم بحملة كاملة للمقاطعة يشارك فيها ملايين المسلمين من أجل منع نشر هذا الكلام الفارغ.
لا أجد أفضل من أبيات نزار قباني للتعبير عن هذا الأمر. فقد قال واصفاً :
"نتمطى فوق وسائدنا .. نلهو بالصرف وبالإعراب .. نركب أحصنة من خشب .. ونقاتل أشباحاً وسراب .. وننادي يارب الأرباب .. نحن الضعفاء .. وأنت المنتصر الغلاب".